هل تصنع أرقام المنصّات الإلكترونيّة نجاح الأغاني فعلاً؟

بقلم: بشّار زيدان

في الأعوام الأخيرة مرّت طريقة استهلاكنا للموسيقى بتغييرات كبيرة لم نكن لنتصوّرها في الماضي، فحتى نهاية العقد الماضي كان محبّي الموسيقى ينتظرون بشغف صدور ألبومات نجومهم المفضّلين كي يقصدوا المتاجر للحصول على نسخة منها، كان الاحتفاظ بنسخة من الألبوم – وحتى حمل الإسطوانة بين يديك – له شعور مختلف. أما اليوم، فبتنا نحصل على الألبومات والأغاني من خلال المنصّات الألكترونية المتنوّعة، ما بين المشاهدة والاستماع، وفي كثير من الأحيان يكون استهلاكنا للموسيقى مجاني.

هذا الواقع الجديد لأسلوب حصول المستمع على الموسيقى فرض قوانين جديدة لقياس نجاح الأغاني، فمن الناحيّة النظريّة هو يتيح لنا قياس نجاح الأغنية بالأرقام وفقاً لعدد المشاهدات ومرّات الإستماع على كل منصّة. لكن الفكرة النظريّة هذه لم تبقى مثاليّة كما بدت في البداية، إذ ظهرت فيها ثغرات عدّة أدّت للتلاعب بهذه الأرقام، بدءاً من قدرة الشخص الواحد على أن يقوم بمشاهدة عمل ما أكثر من مرّة في فترة زمنيّة ما ومن أجهزة مختلفة، وانتهاءاً بالمواقع التي تعرض بيع المشاهدات الزائفة.

إثر هذه الفوضى الرقميّة التي لم يتم ضبطها بعد، بتنا نرى أغاني وكليبات تحقّق عشرات ملايين المشاهدات ومرّات الاستماع لكنّها في الواقع غير موجودة، الناس لا تردّدها والشوارع لا تسمع صداها ونسبة طلبها على الإذاعات معدومة. من هنا، أصبحت أرقام المشاهدات ومرّات الاستماع على المنصّات الإلكترونيّة لا تعكس واقع نجاح الأغاني، وأصبحنا بحاجة للعودة للطرق الكلاسيكيّة لقياس الانتشار الجماهيري للأعمال الموسيقيّة.

المنصّات الألكترونيّة اليوم تحتاج لأمرين: الأول هو إستحداث ضوابط تساعد على حماية مصداقيّة أرقامها ومنع الأرقام الوهميّة، والثاني هو فرض رسوم اشتراك شهريّة على خدماتها إجمالاً. رسوم الإشتراك تضمن استمراريّة هذه المنصّات في تقديم خدماتها، تؤمّن مدخول إضافي لمنتجي ونجوم الغناء الذين لا يستطيعون تقديم الإنتاجات دون مردود ماديّ، كما وتخفّض بنسبة كبيرة إمكانيّة إضافة الأرقام الوهميّة للمشاهدات.

رغم أنه لا يمكننا إنكار أهميّة المنصّات الإلكترونية وما أتاحته من معطيات لقياس انتشار الأعمال الموسيقيّة بعد غربلة هذه الأرقام ووضعها في نصابها الصحيح، تبقى النسبة الأكبر لقياس النجاح الحقيقي للأغاني تعتمد على عوامل أخرى تعكس وصول هذه الأغاني وانتشارها بين الناس بشكل عام. نبض الشارع في الأماكن العامّة حيث لا يمكن إخفاء أغنية ناجحة أو تزييفها، حضور هذه الأغاني على المحطات التلفزيونية والإذاعات، طلب الجمهور لهذه الأغاني وتفاعله معها.