صناعة “الهيت” في العالم العربي: لعبة زائفة ومكشوفة

بقلم: بشّار زيدان

ما الذي يجعل أغنية ما تحقّق النجاح الجماهيري دوناً عن غيرها؟ سؤال لطالما حيّر النجوم والمنتجين خلال البحث عن “الهيت” القادم، ففي التسعينات كانت الأغنية التي تحمل مواصفات “الهيت” قادرة على فرض نفسها في الشارع العربي وما أن “تضرب” في بلد ما حتى يبدأ انتشارها في التوسّع. مع بداية سنوات الألفين كان انتشار “الهيت” يعتمد على المحطات التلفزيونية والإذاعات، فمن “يدفع” لتكرار أغنيته على مدار الساعة كان يحقّق الانتشار، مما أدّى إلى ظهور موجة ما عُرف في وقتها بالأغاني “الهابطة”. في السنوات الأخيرة أخذت المنصات الإلكترونية الحيّز الأكبر من استهلاك الموسيقى لدى المستمع، فتغيّرت طرق المنافسة وحتى معايير تقييم نجاح الأغنية.

هذه المعايير الجديدة التي تعتمد على أرقام المشاهدات والإستماع، وأكثر الأغاني رواجاً على التطبيقات الموسيقية، جعلت بعض النجوم يدركون أن التأثير على هذه الأرقام قد يكون المفتاح لتحقيق الانتشار المنشود، فلغاية قبل خمس سنوات كان تضخيم عدد المشاهدات وحده كفيل بتغيير نظرة الجمهور لأغنية ما وإعطائها فرصة لانتشار أكبر، أما اليوم فبات الجميع يعلم أن سوق شراء المشاهدات الزائفة مفتوح للجميع ولم تعد هذه الأرقام وحدها تكفي. من هنا دخلت التطبيقات الموسيقية إلى المعادلة في العامين الأخيرين، إذ بات الجمع بين “ملايين المشاهدات” و “تصدُّر” قائمة الأغاني الأكثر استماعاً في التطبيقات الموسيقية قادراً على إنجاح الخدعة. معادلة باتت مكشوفة لكنّها تنجح في كل مرّة ولكم أن تعودوا في أرشيف “الهيتات” بالعامين الأخيرين وتلاحظوا أي أغاني تصدّرت هذه القوائم من أسبوعها الأول و”حقّقت ملايين المشاهدات” قبل أن تنزل الشارع حتّى، لتأكل الإذاعات من بعدها الطعم وتبدأ بمعاملة هذه الأغاني على أنها “كسّرت الدنيا”.

صحيح أن القاعدة العامّة تقول أن الأغنية الجيّدة وحدها تنجح، وأنه طالما هناك نجاح فهناك مقوّمات لهذا النجاح، لكن هناك أمثلة كثيرة عن أغاني لا تمتلك المقوّمات الفنيّة للنجاح إلا أنها حقّقت الانتشار الأكبر لها بعد أن قيل أنها “كسرت أرقاماً قياسية” إلكترونياً، ومنها بعض أغاني المهرجانات كي لا نعمّم، وبعض أغاني الفنانين الذين لا يدقّقون كثيراً بكلمات أغانيهم ولا بقدراتهم الصوتية. لكن الموضوع لا يقف عند هذه الأغاني، فهناك أعمال جيّدة لنجوم محبوبين، عندما تسمعها تقول “لا بأس بها” لكنها لا تحتوي عنصر “الهيت” ولم تكن لتحقّق هذا النجاح الكبير لولا اللجوء للخدعة الإلكترونية.

نحن لسنا ضد نجاح أي أحد، وهنيئاً لكل فنان بما يحقّقه، لكننا ضد أن يعتقد البعض أننا أغبياء ومعاملة الناس على هذا الأساس، فإن كنتم ستتحدّثون عن الأرقام سوف نجيبكم بالأرقام ومنطق الأرقام. النجمة العالميّة جينيفر لوپز أطلقت كليبها الأخير في التاسع من يوليو وحقّق إلى اليوم 12 مليون مشاهدة (خلال نحو أسبوعين)، والنجمة العالمية شاكيرا أصدرت كليبها الجديد قبل ستّة أيام حقّق خلالها 7.5 مليون مشاهدة، وبنظرة سريعة يمكنك معرفة أن هاتين النجمتين لديهما جمهور يفوق بأضعاف أي نجم عربي، إذاً بأي منطق تجد أغنية عربية حقّقت نحو 15 مليون مشاهدة في عشرة أيام؟ أو كليب عربي حقّق أكثر من ستة ملايين مشاهدة في يومين؟ هل هذا يعني أن النجوم العرب يتفوّقون على النجوم العالميين؟ “يا ريت”… لكن المنطق والأرقام تقول بوضوح أن أرقام مشاهداتهم ببساطة زائفة.

على بعض النجوم العرب أن يهدأوا قليلاً بموضوع المشاهدات فهم بالنهاية لا يخدعون إلا أنفسهم ويبنون أبراجاً وهميّة في الهواء. إن كانت أغانيكم جميلة وفيها عناصر “الهيت” إطرحوها بثقة، قوموا بالترويج لها، إدعموها، وستصل للجمهور وتنجح. خداع الجمهور، وإن كان سهلاً أحياناً، فهو لن يدوم.