لهذه الأسباب لا يجب أن تكتفي الموسيقى العربيّة بالألبومات الإلكترونيّة

بقلم: بشّار زيدان

لا يخفى على أحد أن صناعة الموسيقى، سواءاً في العالم أو في الدول العربيّة، شهدت عدّة تقلّبات في العقود الثلاثة الأخيرة، سواءاً بطريقة استهلاكها من قبل المستمع أو من خلال طريقة طرحها. هذه التغييرات باتت اليوم تضيء إنارة إنذار لتنبّهنا أن شيئاً ما في صناعة الموسيقى العربيّة اليوم لا يتماشى مع المعطيات العالميّة، و بالتالي علينا البحث فيه بشكل أعمق.

خلال فترة التسعينات كانت إصدارات “الكاسيت” هي المهيمنة على سوق الموسيقى العربيّة، وقد عانت كثيراً من التزييف، أما مع بداية سنوات الألفين فبدأت اسطوانات الـ”CD” تأخذ النصيب الأكبر من الإصدارات، ومع دخول الإنترنت لكل بيت عانت الموسيقى العربيّة من التحميل غير القانوني للألبومات عبر مواقع غير مرخّصة لطرح الألبومات. أما في السنوات العشرة الأخيرة، فقد اتجه المستمع العربي أكثر فأكثر لمنصّات الموسيقى الإلكترونية، مثل “يوتيوب”، “أنغامي”، “Apple Music”، “Spotify”، وغيرها. في هذا الإتجاه تمكّن المستمع من استهلاك الموسيقى الأصليّة من خلال موزّعين مرخّصين، لكن هذا الاتجاه يبدو أنه أثّر على صناعة الموسيقى بشكل جعلها تكاد تتخلّى عن إصدار الألبومات الفعليّة بنسخ الإسطوانات. فهل يجب أن تكتفي صناعة الموسيقى العربيّة بالألبومات الإلكترونيّة؟

خلال العام الماضي 2020، اكتفت معظم الألبومات التي صدرت بالطرح الإلكتروني، باستثناء كميّات قليلة جداً من ألبوم “سهران” للنجم المصري عمرو دياب و ألبوم “صاحبة رأي” للنجمة اللبنانية إليسّا، إلا أن الإسطوانات التي تم طرحها من الألبومين لا تتعدّى الخمس آلاف نسخة. وصحيح أن السوق تسير وفقاً لقاعدة “العرض والطلب”، إلا أن صنّاع الموسيقى سواءاً من شركات أو نجوم عليهم مسؤوليّة كبيرة في التأثير على نمط استهلاك المستمع للموسيقى لكي يحافظوا على هذه الصناعة وينمّوها بدلاً من المساهمة في إضعافها.

أرقام المبيعات العالميّة تشير بوضوح لعدم إمكانيّة التخلّي عن الإسطوانات

الأسئلة التي نطرحها لم تأتي من فراغ، فبالنظر إلى سوق الموسيقى العالميّة نجد أن مبيعات الألبومات الفعليّة، بنسخ الـ”CD” وحتّى الـ”Vinyl” تشير بكل وضوح إلى أنه لا يمكن التخلّي عن الإصدار الفعليّ للألبومات.
فعلى سبيل المثال فإن ألبوم “Map of the Soul: 7” لفرقة “BTS” الكوريّة باع 646 ألف نسخة فعليّة خلال العام 2020 في الولايات المتحدة، ووصل إجمالي مبيعاته حول العالم لأكثر من أربعة ملايين نسخة. وحتى المبيعات الأسبوعيّة كانت تسجّل أرقاماً عالية، فألبوم “Chromatica” لليدي غاغا باع أكثر من 31 ألف نسخة في الأسبوع الأول من طرحه بالولايات المتحدة رغم صدوره في أوج جائحة كورونا.

إبقاء مبيعات الألبومات الفعليّة نشطة يحتاج لمجهود وابتكار من صنّاع الموسيقى، فمثلاً عندما طرحت النجمة الأمريكيّة تايلور سويفت ألبوم “Folklore” كان هناك سبعة عشر خياراً مختلفاً متاحاً لشرائه سواءاً كإسطوانة أو كاسيت، وكذلك ألبومها الأخير “evermore” متاحاً عبر موقعها الرسمي للشراء كإسطوانة أو كاسيت. منح الفنان لمحبّيه إمكانيّة الحصول على الألبوم بأشكال مختلفة ومميّزة ومع الإضافات التي تضمّها نسخة الإسطوانة تجعل المستمع يتمتّع أكثر بالألبوم ويمنحه قيمة إضافيّة.

من الأمور الأخرى التي يتّبعها النجوم العالميين إلى اليوم لتشجيع مبيعات الألبومات الفعليّة هي بيع الإسطوانات الموقّعة، وهم يحرصون على نشر فيديوهاتهم عبر منصّات التواصل الإلكتروني خلال توقيع الإسطوانات ومشاركة المعجبين بهذه اللحظات. هذا ما فعله النجم العالمي شون مينديز الذي نشر فيديوهات له خلال توقيع آلاف الإسطوانات من ألبومه الأخير “Wonder”.

عودة “الڤينيل” للموضة

وإن كان إبقاء صناعة الموسيقى بصحّتها يحتاج الإبتكار فإن الساحة العالميّة عرفت كيف تعيد إسطوانات الـ”Vinyl” للموضة. هذه الإسطوانات السوداء الكبيرة التي تذكّرنا بالموسيقى الكلاسيكيّة لم تعد جزءاً من التاريخ، بل يكاد كل ألبوم عالمي جديد يصدر بنسخة “Vinyl” أيضاً، بل وحتى الأغاني المنفردة كما فعل النجمان جينيفر لوبيز ومالوما عندما أصدرا أغنيتيهما المشتركتين “Pa Ti” و”Lonely”. هذا الإستهلاك المتجدّد للإسطوانات السوداء رافق استحداث أجهزة عصريّة لتشغيلها، أذ أصبحت هذه الأجهزة إضافة جماليّة للبيت فضلاً عن كونها تؤمن تجربة موسيقيّة خاصّة جداً للمستمع.

أرقام المبيعات تشير إلى أنه يتم بيع مئات الآلاف من إسطوانات “الڤينيل” أسبوعياً في الولايات المتحدة، وصلت لأكثر من 800 نسخة في أسبوع واحد خلال شهر سبتمبر الماضي. ما يعني أنه هناك مجال كبير لتسويق هذه الإسطوانات وآلات تشغيلها في الدول العربيّة أيضاً في حال وُجدت الإستراتيجيّة الصحيحة لذلك.

صحيح أن سوق الموسيقى وصناعتها ومبيعاتها تغيّرت في السنوات الأخيرة، لكن هذا لا يعني أن صناعة الموسيقى العربيّة يجب أن تكتفي بالألبومات الإلكترونية. إن كان كل نجم عالميّ يمكنه أن يحقّق مئات آلاف المبيعات سنويّاً فأيضاً النجوم العرب يمكنهم تحقيق ذلك إذا بذلوا المجهود المطلوب منهم ومن صنّاع الموسيقى لإعادة وضع السوق الموسيقيّة في السكّة الصحيحة. الإبتكار وتقديم المنتجات الجديدة للجمهور بأفكار مميّزة يجب أن يصبح “الترند” الجديد في صناعة الموسيقى العربية، فالمستمع يقدّر هذه الأمور ومعجبي الفنانين متعطّشين لهذه النوعيّة من المنتجات التي تمنح الألبومات بعداً إضافياً.