من يُنقذ صناعة الموسيقى إذا استسلم النجوم العرب للألبومات الإلكترونية؟

بقلم: بشّار زيدان

ضمن سلسلة مقالاتنا للتعمّق في حال صناعة الموسيقى في العالم العربي حالياً، نبحث هذه المرّة في تأثيرات عزوف النجوم العرب عن إصدار النسخ الماديّة من ألبوماتهم (سواءاً أقراص CD، كاسيت أو أقراص Vinyl)، إذ يبدو أنهم استسلموا للتطبيقات الموسيقية ولم يبذلوا أي مجهود لإنقاذ صناعة الموسيقى.

صحيح أن مبيعات الألبومات الماديّة تراجعت في كل العالم، لكنها بعيدة كل البعد عن أن تختفي، ولكي نرى الصورة الحقيقية الكاملة علينا التمعّن في الساحة الموسيقية العالميّة التي لم تتخلّى يوماً عن الإصدار المادي، بل تدعمه وتسوّقه وتصرّ على وجوده كأحد أسس صناعة الموسيقى، فهل نحن كجمهور عربي بتنا أكثر ”إلكترونيين“ ومتقدّمين عن الجمهور العالمي؟ أم أن الخلل في طرق إصدار هذه الألبومات بالعالم العربي؟

المشكلة هي ليست في الجمهور ولا في الاسطوانات والكاسيتات واستهلاكها، المشكلة هي في عدم بحثنا عن أساليب صحيحة ومبتكرة لإصدار الألبومات الماديّة وتوزيعها وتسويقها بأساليب جديدة تتماشى مع اختلاف نمط الاستهلاك. فإليكم بعض النماذج العالميّة التي علينا أن نستخلص العبر منها:

النجمة العالميّة بيلي آيلش طرحت ألبومها الجديد نهاية شهر يوليو 2021 وهو متوفّر على إسطوانات CD و vinyl، وهذه النسخ الماديّة لم تقتصر على المتاجر الكبرى، بل على العكس، يحرص النجوم العالميين على أن تكون هذه النسخ متوفّرة أولاً بمتاجر الموسيقى الصغيرة المستقلّة لدعمها ودعم استمراريتها. هذه اللفتة تُظهر حرص النجوم على إبقاء صناعة موسيقاهم حيّة وإظهار حسّ المسؤولية تجاهها.

إلى جانب هذه الإصدارات، طرحت آيلش نسخ حصريّة من إسطوانات الڤاينل بألوان متعدّدة في متاجر “السوبرماركت” الكبرى مثل “والمارت”، و”تارغت”، كما وضمّت نسخة الإسطوانة المدمجة “پوستر” ووشاح تذكاري هديّة، فضلاً عن النسخ الموقّعة من بيلي وأخرى عليها رشقات من الطلاء الأبيض بيد الفنانة لجعل كل غلاف عمل فنيّ خاص. من هنا يمكننا استخلاص أمرين: الأوّل هو الذهاب للجمهور في الأماكن التي يشتري فيها (شبكات السوبرماركت الكبرى) بدلاً من انتظار توجّهه لمتجر موسيقي كبير، والثاني هو إضافة عناصر تذكارية يودّ محبّي النجم بالحصول عليها.

هذا المجهود الكبير الذي بذلته آيلش لمنح النسخ الماديّة من ألبومها لمسة مميّزة لا يأتي من فراغ، فهي وغيرها من النجوم العالميين يعلمون جيّداً أن سوق الألبومات ما زال حيّاً ويجب الحفاظ عليه، فلا شعور إلكتروني يوازي شعور الشخص عندما يحمل نسخة حقيقيّة من ألبوم نجمه المفضّل.

ليدي غاغا هي أيضاً طرحت عملها الجديد على إسطوانات مدمجة، إسطوانات ڤاينل وحتّى كاسيت، وهذه النسخ متوفّرة للطلب عبر “أمازون”. إستغلال منصّات التسوّق الإلكترونيّة لبيع الألبومات هو وسيلة إضافيّة لضمان وصولها لأكبر شريحة من الجمهور.

هذه الأمثلة والأساليب المتعدّدة لبيع، توزيع، تسويق النسخ الماديّة من الألبومات يمكننا تطبيقها في العالم العربي. علينا البحث عن الأماكن التي يشتري فيها الجمهور أمور أخرى، ووضع زوايا موسيقية فيها، منح النسخ الماديّة عناصر حصريّة إضافيّة، توظيف منصّات التسوّق الإلكترونية لخدمة هذا الهدف، وعدم نسيان متاجر الموسيقى المستقلّة. ولكي تنجح كل هذه الأساليب على النجوم أن يقوموا بالترويج لألبوماتهم كما يجب، تحفيز جمهورهم على شرائها، فهذا هو العامود الفقري لصناعة الموسيقى. لدى النجوم العرب إمكانية بيع ملايين النسخ من ألبوماتهم إن قاموا بالخطوات الصحيحة، فلماذا تبقى هذه الفرصة غير مستغلّة؟ وبدلاً من أن يلتهي البعض بعدّ ملايين المشاهدات الوهميّة فليعودوا للمنافسة الفنيّة الحقيقية التي لا مكان فيها إلا للنجوم الحقيقيين.

إن كان النجوم العرب يتّجهون نحو الإنتاج الخاص فعليهم أن يتحمّلوا مسؤوليتهم في فعل كل ما يتطلّبه إنتاج الموسيقى، بما في ذلك طرح النسخ الماديّة من الألبومات، والحرص على أن تبقى هذه الصناعة التي عمرها مئات السنوات حيّة ومزدهرة. إن كنتم قادرين على ترويج موضة ما في الأزياء والشعر ومساحيق التجميل وغيرها، فأنتم قادرين أيضاً على ترويج موضة سماع الموسيقى بالإسطوانات والكاسيتات مجدّداً، بل وخلق سوق جديدة لإسطوانات الڤاينل التي يميل إليها الجيل الجديد حول العالم مع وجود أجهزة عصريّة رائعة لتشغيل هذه النوعيّة من الإسطوانات. إنها مسؤوليّة جماعيّة على النجوم العرب أن يتحملوها وأن يعيدوا للألبومات وهجها بدلاً من الاستسلام للتطبيقات الإلكترونية. قد يكون التحدي صعب، والعقبات كثيرة، لكن الخطوة الصحيحة هي أن نبحث عن الحلول، نبحث عن شركاء لجعل هذه الصناعة متوفّرة بشكل أكبر وأسهل وأقل كلفة للجمهور، لا أن نستسلم ونتخلّى عن الألبومات بهذا الشكل المؤسف، وبدلاً من البحث عن الذرائع لعدم نجاح الأمر علينا البحث عن كيف ممكن أن نجعله ينجح، والعالم مليء بالدروس التي يمكننا التعلّم منها.